نهضت في ساعة مبكرة من اليوم التالي على صوت صراخ اخترق جدران الغرفة من حدته !
إنها رغد المزعجة
خرجت من غرفتي متذمرا ، و ذهبت إلى المطبخ المنبعثة منه صرخات ابنة عمي هذه
" أمي ! أسكتي هذه المخلوقة فأنا أريد أن أنام ! "
تأوهت أمي و قالت بضيق :
" أو تظنني لا أحاول ذلك ! إنها فتاة ٌصعبة ٌ جدا ! لم تدعنا ننام غير ساعتين أو ثلاث والدك ذهب للعمل دون نوم ! "
كانت رغد تصرخ و تصرخ بلا توقف .
حاولت أن أداعبها قليلا و أسألها :
" ماذا تريدين يا صغيرتي ؟ "
لم تجب !
حاولت أن أحملها و أهزها ... فهاجمتني بأظافرها الحادة !
و أخيرا أحضرت إليها بعض ألعاب دانه فرمتني بها !
إنها طفلة مشاكسة ، هل ستظل في بيتنا دائما ؟؟؟ ليتهم يعيدوها من حيث جاءت !
في وقت لاحق ، كان والداي يتناقشان بشأنها .
" إن استمرت بهذه الحال يا أبا وليد فسوف تمرض ! ماذا يمكنني أن أفعل من أجلها ؟ "
" صبرا يا أم وليد ، حتى تألف العيش بيننا "
قاطعتهما قائلا :
" و لماذا لا تعيدها إلى خالتها لترعاها ؟ ربما هي تفضل ذلك ! "
أزعجت جملتي هذه والدي فقال :
" كلا يا وليد ، إنها ابنة أخي و أنا المسؤول عن رعايتها من الآن فصاعدا . مسألة وقت و تعتاد على بيتنا "
و يبدو أن هذا الوقت لن ينتهي ...
مرت عدة أيام و الصغيرة على هذه الحال ، و إن تحسنت بعض الشيء و صارت تلعب مع دانه و سامر بمرح نوعا ما
كانت أمي غاية في الصبر معها ، كنت أراقبها و هي تعتني بها ، تطعمها ، تنظفها ، تلبسها ملابسها ، تسرح شعرها الخفيف الناعم !
مع الأيام ، تقبلت الصغيرة عائلتها الجديدة ، و لم تعد تستيقظ بصراخ و كان على وليد ( الرجل القوي ) أن ينقل سرير هذه المخلوقة إلى غرفة الطفلين !
بعد أن نامت بهدوء ، حملتها أمي إلى سريرها في موضعه الجديد . كان أخواي قد خلدا للنوم منذ ساعة أو يزيد .
أودعت الطفلة سريرها بهدوء .
تركت والدتي الباب مفتوحا حتى يصلها صوت رغد فيما لو نهضت و بدأت بالصراخ
قلت :
" لا داعي يا أمي ! فصوت هذه المخلوقة يخترق الجدران ! أبقه مغلقا ! "
ابتسمت والدتي براحة ، و قبلتني و قالت :
" هيا إلى فراشك يا وليد البطل ! تصبح على خير "
كم أحب سماع المدح الجميل من أمي !
إنني أصبحت بطلا في نظرها ! هذا شيء رائع ... رائع جدا !
و نمت بسرعة قرير العين مرتاح البال .
الشيء الذي أنهضني و أقض مضجعي كان صوتا تعودت سماعه مؤخرا
إنه بكاء رغد !
حاولت تجاهله لكن دون جدوى !
يا لهذه الـ رغد ... ! متى تسكتيها يا أمي !
طال الأمر ، لم أعد أحتمل ، خرجت من غرفتي غاضبا و في نيتي أن أتذمر بشدة لدى والدتي ، إلا أنني لاحظت أن الصوت منبعث من غرفة شقيقي ّ
نعم ، فأنا البارحة نقلت سريرها إلى هناك !
ذهبت إلى غرفة شقيقي ّ ، و كان الباب شبه مغلق ، فوجدت الطفلة في سريرها تبكي دون أن ينتبه لها أحد منهما !
لم تكن والدتي موجودة معها .
اقتربت منها و أخذتها من فوق السرير ، و حملتها على كتفي و بدأت أطبطب عليها و أحاول تهدئتها .
و لأنها استمرت في البكاء ، خرجت بها من الغرفة و تجولت بها قليلا في المنزل
لم يبد ُ أنها عازمة على السكوت !
يجب أن أوقظ أمي حتى تتصرف ...
كنت في طريقي إلى غرفة أمي لإيقاظها ، و لكن ...
توقفت في منتصف الطريق ، و عدت أدراجي ... و دخلت غرفتي و أغلقت الباب .
والدتي لم تذق للراحة طعما منذ أتت هذه الصغيرة إلينا .
و والدي لا ينام كفايته بسببها .
لن أفسد عليهما النوم هذه المرة !
جلست على سريري و أخذت أداعب الصغيرة المزعجة و ألهيها بطريقة أو بأخرى حتى تعبت ، و نامت ، بعد جهد طويل !
أدركت أنها ستنهض فيما لو حاولت تحريكها ، لذا تركتها نائمة ببساطة على سريري و لا أدري ، كيف نمت ُ بعدها !
هذه المرة استيقظت على صوت أمي !
" وليد ! ما الذي حدث ؟ "
" آه أمي ! "
ألقيت نظرة من حولي فوجدتني أنام إلى جانب الصغيرة رغد ، و التي تغط في نوم عميق و هادىء !
" لقد نهضت ليلا و كانت تبكي .. لم أشأ إزعاجك لذا أحضرتها إلى هنا ! "
ابتسمت والدتي ، إذن فهي راضية عن تصرفي ، و مدت يدها لتحمل رغد فاعترضت :
" أرجوك لا ! أخشى أن تنهض ، نامت بصعوبة ! "
و نهضت عن سريري و أنا أتثاءب بكسل .
" أدي الصلاة ثم تابع نومك في غرفة الضيوف . سأبقى معها "
ألقيت نظرة على الصغيرة قبل نهوضي !
يا للهدوء العجيب الذي يحيط بها الآن!
بعد ساعات ، و عندما عدت إلى غرفتي ، وجدت دانه تجلس على سريري بمفردها . ما أن رأتني حتى بادرت بقول :
" أنا أيضا سأنام هنا الليلة ! "
أصبح سريري الخاص حضانة أطفال !
فدانه ، و البالغة من العمر 5 سنوات ، أقامت الدنيا و أقعدتها من أجل المبيت على سريري الجذاب هذه الليلة ، مثل رغد !
ليس هذا الأمر فقط ، بل ابتدأت سلسلة لا نهائية من ( مثل رغد ) ...
ففي كل شيء ، تود أن تحظى بما حظيت به رغد . و كلما حملت أمي رغد على كتفيها لسبب أو لآخر ، مدت دانه ذراعيها لأمها مطالبة بحملها (مثل رغد ) .
أظن أن هذا المصطلح يسمى ( الغيرة ) !
يا لهؤلاء الأطفال !
كم هي عقولهم صغيرة و تافهة !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ